رأي

أمين بدوي يكتب …الجنوب الشرقي أم الوسط الشرقي؟ جدلية التسمية الاستعمارية والعزلة التنموية تثير التساؤل بجهة درعة تافيلالت

هل تساءلتم يومًا عن سبب تسمية مدن مغربية عريقة مثل الرشيدية، تنغير، ورزازات، وزاكورة بـ“الجنوب الشرقي”، هذه التسمية التي ما تزال متداولة في الإعلام والخطاب العام ليست مجرد وصف جغرافي، بل تحمل جذورًا تاريخية تعود إلى الحقبة الاستعمارية، حين لم تُحتسب الصحراء المغربية الجنوبية ضمن الخريطة الوطنية، وفي تلك الفترة كانت هذه المدن تمثل أقصى حدود الجنوب الشرقي للمملكة تحت الحماية الفرنسية، ويظهر هذا جليًا في الطريقة التي شكلت بها الحدود والإدارات المحلية آنذاك، مما أثر على تصورات المجتمع والهوية الجغرافية

تغير الواقع الجغرافي والسياسي بشكل جذري بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، فلم تعد هذه المدن تقع في أقصى الجنوب الشرقي، بل أصبحت ضمن ما يمكن اعتباره اليوم “الوسط الشرقي” للمملكة، ورغم هذا التحول ما زال المصطلح القديم مستخدمًا على نطاق واسع، ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير الذاكرة الاستعمارية في وعي المغاربة لهوية هذه المناطق، ويظهر هذا بوضوح من خلال موقع الرشيدية على مفترق طرق يربط شمال المغرب بجنوبه الشرقي الفعلي، بينما تشكل تنغير وورزازات وزاكورة سلسلة من الواحات التي تربط الأطلس بالعمق الصحراوي، واستمرار استخدام مصطلح “الجنوب الشرقي” يوحي ضمنيًا بأن الصحراء ليست جزءًا لا يتجزأ من المغرب، وهو تصور يتعارض مع الوحدة الترابية للمملكة ويستدعي مراجعة شاملة للتسمية والوعي الجغرافي

وفي الوقت ذاته تعاني جهة درعة تافيلالت من “عزلة بنيوية”، ناجمة عن ضعف الاستثمار في شبكات النقل السريع مثل السكك الحديدية والطرق السيارة، وهذا النقص يخلق بعدًا مجازيًا عن المركز و“عزلة زمنية” تؤثر على جودة الحياة والفرص الاقتصادية، وتظهر المفارقة بوضوح عند مقارنة الرحلات الجوية، فالرحلة من الدار البيضاء إلى العيون، رغم بعدها الجغرافي الكبير، لا تتجاوز ساعة، بينما ظل الوصول إلى الرشيدية صعبًا لسنوات طويلة بسبب محدودية خدمات مطارها حتى حوالي 2014، ويؤكد هذا أن بعد المنطقة يُقاس بالزمن أكثر من المسافة الجغرافية، ما يعكس إهمالًا تاريخيًا يجب تداركه، وفي هذا السياق يصبح من الضروري معالجة الفجوات التنموية مع مراعاة الوضع الجغرافي الحقيقي للمنطقة

اليوم أصبح من الضروري اعتماد مصطلح “الوسط الشرقي” بدل “الجنوب الشرقي”، وليس مجرد تعديل لغوي فحسب، بل خطوة رمزية تعكس الوحدة الوطنية وتصحيح المفاهيم الجغرافية، ويتحمل الإعلام الوطني والمثقفون وكتاب الرأي جزءًا من المسؤولية في استمرار هذا الخطأ، كما تقع على عاتق وزارة التربية الوطنية مهمة تحديث الخرائط والمصطلحات في المناهج الدراسية بما يتوافق مع الواقع الجغرافي الكامل للمملكة

ويُعد تحديث اللغة الجغرافية بما يعكس الواقع الوطني خطوة أساسية لتعزيز الهوية المغربية الجامعة وتصحيح المفاهيم المتوارثة منذ زمن الاستعمار، إن اعتماد مصطلح “الوسط الشرقي” يعكس حقيقة موقع الرشيدية وتنغير وورزازات وزاكورة ضمن مغرب موحد من طنجة إلى الكويرة، ويؤكد أن وحدتنا الترابية لا تقبل أي لبس جغرافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى