حمزة احادي – باحث في الدبلوماسية الثقافية
سعت المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس إلى الاهتمام أكثر بالمغاربة المقيمين بالخارج، خاصة وأن أعدادهم تضاعفت بشكل كبير عما كانت عليه في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني. فعدد المغاربة المهاجرين اليوم، على مشارف 6 ملايين مهاجر، الشيء الذي جعل ملك البلاد يخطط تخطيطا استراتيجيا للاعتناء بمغاربة الخارج، وتثبيتهم على الثقافة المغربية، بإدماجها في حياتهم اليومية، وتنشئتهم عليها.
ولعلّ من أبرز المؤسسات التي عزز بها جلالة الملك دور أفراد شعبهِ بالخارج مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي جعل منه جلالته مؤسسة استشارية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي.
إضافة الى فتح مراكز ثقافية، و دعم جمعيات مدنية تعنى بالموروث الثقافي المغربي، بعدد من العواصم الخارجية المهمة، لتمثل الهوية المغربية الحقيقية وتلعب دورها الحقيقي في الدبلوماسية الموازية، فلطالما شكلت قيمة مضافة أثبتت نجاعتها وتأثيرها في مختلف المحافل وفي مختلف القضايا التي تهم الوطن.
فالثقافة والهوية المغربيتان يشهد لهما التاريخ بأصالتهما وقوتهما المتجذرة عبر كل الأزمة. ثقافة شمَلت كل جوانب الحياة الإنسانية، من ديَانات وحضارات مختلفة مرت على المغرب، ومن علماء سطروا أسماءهم بذهب لتسمع وتدرس في كل بقاع العالم، فمن منا لم يسمع بـ”ابن بطوطة” و “ابن رشد” و”ابن خلدون”… وغيرهم الكثير.
ومن مطبخ مغربي متفرد عالمياً فمن منا اليوم لا يعرف (الطاجين، البسطيلة، الحريرة، الكسكس …)، ومن موسيقى وفن متنوعين (الملحون، الطرب الأندلسي، جيل جيلالة، الركادة، العيطة…)، ومن لغات ولهجات مختلفة (الشلحة، السوسية، الحسانية، الدارجة، الريفية …)، ومن زخرفة ضاهت بتاريخها الزخرفات اليونانية والفارسية والفرعونية (مسجد الحسن الثاني، جامع القرويين، المنارة، صومعة حسان…) ، ومن لباس تقليدي (القفطان، الجلابة، التكشيطة، الشربيل…) صار نموذجاً يحتذى به في عالم الموضة.
هي ثقافة إذا من واجب كل فاعل مغربي مقيم بالخارج مهما كان اختصاصه ودرجة علمه الاحتفاظ بها والمحافظة عليها، والأكثر من ذلك أن يحاول إدماجها قدر المستطاع داخل محيطه الأسري أولا، ثم محيطه العام ثانيا، ثم النهوض بها والتعريف بها والعمل على نشرها.
ولعب الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب دورا هاما فيما وصل إلينا من موروث ثقافي غني جدا، فموقع المملكة أمام شبه الجزيرة الايبيرية، يقع ضمن الصحراء الكبرى، ويعتبر بوابة أفريقيا الأولى لأوروبا، الشيء الذي جعل منه يعرف تداخلا ثقافيا ولغويا وعرقيا مهما.
إن التلاقح الثقافي بين البلدان مُغذّي للروح، فاتحٌ للعقل والعين، مؤنس للمغترب خارج وطنه الأم. الشيء الذي يجعل تلاقح الثقافات يقوم على أساس العيش المشترك، والانسجام بينهما، واستفادة كل ثقافة من الأخرى.
والنهوض بالثقافة المغربية بالخارج، لابد أن يمر عبر مؤسسات أو جمعيات، يشترك فيها كل المغاربة المقيمين بكل دولة، مشاركة تكون جماعية بتخصيص أيام سنوية تتماشى وتتناسب في تاريخها مع الأعياد الوطنية المغربية والأعياد الإسلامية كذلك.
مناسبات من المهم بمكان أن تشهد حضور (فنانين وممثلين ومبدعين ومثقفين) من أرض المغرب. فالفن والكتابة بصفة عامة، يعتبران بمثابة المرآة العاكسة لأي دولة في التعريف بثقافتها، كما أنهما تعتبران الوسيلتان الوحيدتان اللتان تسهمان في تبسيط أي ثقافة حتى وإن كانت صعبة هذه الثقافة “مختلفة عصية عن الفهم”. فكما يقال (الموسيقى والفن لغتا العالم المشتركة).
هذه المؤسسات والجمعيات التي ذكرنا بضرورة وجودها، وجب عليها أن تقوم في كل مناسبة بلم شمل مغاربة كندا من جهة، وتقديم دعوات بطريقة مغربية محضة لكل المؤثرين الكنديين، من فنانين وممثلين وأدباء وشعراء من جهة أخرى. حتى تكون النتيجة تلاقحا فكريا ثقافيا غنيا، ينم عن حس وشعور كبير بالوطنية المغربية المتجذرة في التاريخ، وفهم كنه ثقافة الدول بالموازاة.
ومن بين الأمور المهمة التي يجب التركيز عليها في دمج الثقافة المغربية كذلك، الاعتناء بأطفال المهاجرين المزدادين بالخارج، عن طريق محاولة تعليمهم للغة العربية واللسان المغربي “الدارج”، الذي يعد بمثابة المفتاح السحري لتعلم كل ما هو ثقافي مغربي خالص، وبغية تنشئتهم على هذه الثقافة الغنية الفريدة.