
قبل سنوات قليلة، كانت مدينة ورزازات تتصدر قائمة الجماعات النموذجية على المستوى الوطني، وتُقدّم كتجربة رائدة في مجال الحكامة الترابية، والنجاعة في تدبير الشأن المحلي. وقد تُوّج هذا المسار بتصدر الجماعة للمرتبة الأولى وطنياً ضمن برنامج نجاعة أداء الجماعات الترابية، وهو ما لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة عمل جماعي منظم، وتخطيط استراتيجي امتد لسنوات.
اليوم، يبدو أن تلك الدينامية قد توقفت، بل تحوّلت إلى حالة من التراجع غير المفهوم، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات لدى الساكنة والمتابعين للشأن المحلي: كيف تحوّلت ورزازات من نموذج يُحتذى به إلى جماعة تبحث عن بوصلتها وسط الركود والتردد؟
تجربة عبد الرحمان الدريسي… بين الجدية والترافع
الواقع أن تجربة المجلس الجماعي في عهد الرئيس السابق عبد الرحمان الدريسي، كانت من أبرز التجارب المحلية التي عرفت كيف تُدبّر الإمكانيات المحدودة بروح المسؤولية والطموح. جماعة كانت قبل ولايته مثقلة بالديون، محجوزًا على حسابها البنكي، لا تملك مشروعًا واحدًا ولا رؤية واضحة، تحوّلت بفضل رؤية واقعية وجرأة سياسية إلى جماعة تنبض بالأوراش والمبادرات.
مشاريع كبرى تم إطلاقها في مجالات البنية التحتية، النقل الحضري، الفضاءات العمومية، والتهيئة الحضرية، إضافة إلى انفتاح واضح على الشركاء والداعمين على المستويين الوطني والدولي.
كان الدريسي رجل ميدان بامتياز، لا يشتغل من خلف المكاتب، بل كان حضوره اليومي بين الساكنة، وحرصه على الترافع المستمر على المشاريع، أحد العوامل التي خلقت دينامية جديدة في المدينة. لقد نجح في تحويل جماعة محجوز عليها، إلى جماعة تُضرب بها الأمثال في التدبير والتخطيط وتنزيل المشاريع.
من انتخابات 2021 إلى التراجع المقلق
غير أن انتخابات 2021 قلبت الموازين، وأفرزت واقعًا سياسيًا جديدًا، أخرج الرجل من دائرة القرار، وأدخل المدينة في مرحلة ضبابية لا يعرف المواطن إلى أين تتجه.
منذ ذلك الحين، لم نعد نسمع عن مشاريع جديدة بمبادرة المجلس الحالي، ولم نعد نلمس تلك الروح القيادية التي كانت تحرك الجماعة.
الأسوأ من ذلك، أن المشاريع التي رأت النور مؤخرًا، هي في الحقيقة مخلفات إيجابية من المرحلة السابقة، ما يؤكد أن الحاضر يعيش على رصيد الماضي.
تراجعت ورزازات على جميع المستويات: غابت المبادرة، وتقلصت الحيوية، وتراجع التفاعل مع حاجيات المواطنين. الجماعة اليوم تبدو وكأنها تشتغل بالحد الأدنى، تسيير يومي بلا أفق، ومجالس تنعقد دون أثر ملموس على أرض الواقع.
الحاجة إلى مشروع… لا إلى تبريرات
قد يقول البعض إن الأمر يحتاج إلى وقت، وإن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكن الحقيقة أن غياب الرؤية، وانعدام الجرأة، وعدم الترافع الحقيقي عن الإقليم، هو ما يجعل ورزازات تتراجع.
فلا معنى أن تتولى المسؤولية وأنت لا تملك تصورًا واضحًا، ولا برنامجًا جريئًا، ولا قدرة على الإقناع وجلب التمويل والدعم.
ورزازات لا تحتاج إلى من يبرّر العجز، بل إلى من يحوّل الإكراهات إلى فرص.
إلى من يستحضر انتظارات الشباب، والمجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين.
تحتاج إلى مشروع جماعي تنموي شجاع، لا إلى تسيير إداري تقني محدود الأفق.
حين غابت الرؤية… تراجع الأمل
تجربة الدريسي، بكل ما فيها من نجاحات وانتقادات، كانت تجربة حيّة، تُؤمن بالفعل أكثر من الكلام. كانت هناك أخطاء، نعم، لكن كانت هناك أيضًا رغبة صادقة في التغيير، وفي تحويل المدينة إلى فضاء حيوي يستحقه أبناؤها.
اليوم، لا نرى سوى إدارة الوقت، وانتظار المناسبات، والاشتغال بردود الأفعال.
السؤال المطروح بإلحاح اليوم:
من يُسيّر ورزازات؟ وهل يملك الفريق الحالي القدرة والرؤية لإخراج المدينة من حالة التراجع؟
أين المشاريع الجديدة؟
أين الشراكات؟
أين الابتكار؟
وأين الدور الحقيقي للمجلس الجماعي في الدفع بالتنمية المحلية؟
مدينة كبيرة… بحاجة إلى قيادة حقيقية
ورزازات ليست مدينة عادية، بل هي عاصمة للجنوب الشرقي، ووجهة سياحية عالمية، وبوابة ثقافية وتاريخية للمغرب.
أن تترك هذه المدينة تتقهقر، هو نوع من الإجحاف في حقها وحق ساكنتها. أن تغيب عن المبادرات الوطنية، وأن تتوارى عن المشهد التنموي، أمر يبعث على القلق.
لقد أصبح من الضروري اليوم إعادة طرح سؤال القيادة، والتفكير في مستقبل الجماعة، ليس من منطلق الصراع السياسي، بل من منطلق المسؤولية الجماعية تجاه المدينة وساكنتها.
إننا نعيش مرحلة مفصلية، تتطلب إعادة النظر في طريقة التسيير، وتستدعي وقفة تأمل حقيقية، لأن ما يحدث الآن لا يليق بورزازات، ولا بتاريخها، ولا بطموحات أبنائها.
والتاريخ لا يرحم.