رأي

المسألة الاجتماعية في مشروع قانون المالية لسنة 2021

محمد الرقيبي – باحثفي العلوم الإدارية والمالية


يتم عرض مشروع قانون المالية هذه السنة على البرلمان بغرفتيه في ظل ظروف استثنائية، حيث خلفت جائحة فيروس كورونا آثار اقتصادية واجتماعية فادحة، وهو ما تطلب اتخاذ عدد من الإجراءات لتخفيف هذه الآثار وتجاوزها بأقل الأضرار.

ويكتسب مشروع قانون المالية لهذه السنة أهميته نظرا لكونه الوثيقة التي ينتظر من خلالها أن تجيب الحكومة على انتظارات المواطنين، خاصة منها تلك المتعلقة بالطابع الاجتماعي بالنظر على إلى الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة على المستوى الاجتماعي.

كما يأتي هذا المشروع في سياق التوجيهات الملكية بمناسبة خطاب عيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2020، وكذا بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 9 أكتوبر 2020، حيث دعا الحكومة إلى إصلاح اجتماعي بنيوي شامل من خلال التعميم التدريجي للتغطية الاجتماعية.

من هذا المنطلق، سيرصد هذه المقال مختلف الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي المتخذة من طرف الحكومة عبر مشروع قانون المالية لهذه السنة.

قطاعي الصحة والتعليم:

     أظهرت الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد 19 هشاشة المنظومة الصحية بالمغرب، فالبرغم من المجهودات المبذولة من طرف السلطات العمومية خاصة في مطلع الألفية الجديدة على مستوى القطاع الصحي، فقد ظل القطاع يعاني سواء من ضعف التأطير الطبي أو من غياب بنية تحتية قوية.

في هذا الاطار، كان من المطالب أن يتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 إجراءات تصب في اتجاه تحسين وتجويد المنظومة الصحية للبلاد، هكذا تم تدعيم الموارد البشرية للقطاع حيث وصل عدد المناصب المالية المخصصة للوزارة 5500 منصب مالي، في الوقت الذي لم بتجاوز عدد المناصب المالية المخصصة للوزارة السنة الفارطة 4000 منصب مالي، أي بإضافة 1500 منصب مالي هذه السنة.

أما على مستوى الغلاف المالي المخصص لوزارة الصحة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021، فقد تم الرفع من الميزانية المخصصة للوزارة بنحو 2 مليار درهم، ليبلغ مجموع الغلاف المالي المخصص للوزارة 20 مليار درهم.

وبالرغم من هذه المجهودات إن على مستوى التمويل أو إضافة مناصب مالية لصالح القطاع الصحي، فهي في نظرنا تظل غير كافية أمام حجم الخصاص الذي يعاني منه القطاع وأمام التحديات التي تطرحها جائحة فيروس كورونا في ظل الارتفاع التدريجي لعدد الحالات المسجلة.

أما على مستوى قطاع التعليم والذي يعد بدوره أبرز القطاعات الاجتماعية، فقد تم تدعيم القطاع بإضافة 2000 منصب مالي جديد، ليبلغ عدد المناصب المالية المخصصة لقطاع التعليم 18000 منصب.

أما بخصوص الغلاف المالي المخصص للقطاع فقد تم الرفع من ميزانية قطاع التعليم بحوالي 4 ملايير درهم، لتبلغ بذلك ميزانية القطاع مع مشروع قانون المالية لسنة 2021 حوالي 72 مليار درهم.

تعميم التغطية الاجتماعية الشاملة 

    في سياق التنزيل السريع لورش تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة والذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة خطاب العرش، عملت الحكومة على اتخاذ بعض الإجراءات عبر مشروع قانون المالية 2021، وسيركز هذا المشروع خلال هذه المرحلة على تعميم التغطية الصحية.

في هذا الصدد، أقرت الحكومة مساهمة تضامنية على الأرباح والمداخيل، والتي ستقتصر على الأشخاص الذاتيين الذين يفوق دخلهم الإجمالي الصافي 10.000 درهم شهريا، وكذا الشركات التي يفوق ربحها الصافي 5 ملايين درهم، وينتظر أن تمكن هذه العملية من تحصيل 5 ملايير درهم.

ومن المنتظر أن يتم تخصيص هذه الحصة لصندوق دعم التماسك الاجتماعي، والذي اقترحت الحكومة خلال هذا المشروع توسيع مجالات انفاقه بهدف تمكينه من تحمل المبالغ المدفوعة لفائدة منظمات الحماية الاجتماعية، وعلى هذا الأساس سيتم تغيير اسم هذا الحساب ليصبح “صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي”.

وعموما فهذا الورش الذي ينتظر تنزيله في خمس سنوات على حد أقصى يقتضي إجراءات واسعة خاصة على مستوى توفير التمويل اللازم والكافي، وهو ما يفرض على الحكومة البحث عن قنوات للتمويل بعيدا عن جيوب المواطنين.

تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية

تشكل الفوارق المجالية والاجتماعية واحدة من أبرز الإشكاليات التي يعاني منها المغرب، فحسب التقارير الرسمية فإن ست جهات بالمغرب تستحوذ على 70.9 في المائة من إنتاج الثروة الوطنية.

كما يتم تسجيل تباين كبير في الولوج للخدمات الأساسية بين جهات المغرب، حيث تتجاوز معدلات البطالة والفقر المعدل الوطني في مجموعة من الجهات، وهو ما يخلق تفاوتات صارخة بين مناطق المملكة.

وفي هذا السياق، تم سنة 2016 إطلاق البرنامج الوطني لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وذلك بغلاف مالي يناهز 50 مليار درهم منها 23.3 كمساهمة لصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، و20 مليار درهم كمساهمة لمجالس الجهات.

ومنذ انطلاق تنفيذ هذا البرنامج، فقد تم إحداث مجموعة من المشاريع والبنى التحتية، نذكر منها إنجاز 4280 كلم من المسالك والطرق القروية، وبناء 98 مؤسسة صحية و278 مؤسسة تعليمية إضافة إلى ربط عدد من الدواوير بالماء والكهرباء.

وارتباطا بهذا البرنامج فقد خصصت الحكومة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 أزيد من 2 مليار درهم لصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية والذي يخصص كل موارده تقريبا لصالح برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

وبالرغم من هذه المجهودات، فالفوارق المجالية والاجتماعية بالمملكة لا زالت مطروحة، خصوصا في ظل جائحة كورونا التي ستخلف آثار اجتماعية واقتصادية فادحة والتي تتطلب مجهودات أكبر من مختلف الفاعلين سواء على مستوى الدولة أو الجماعات الترابية.

    وختاما، فقد شكل جائحة كورونا مناسبة لإعادة النقاش حول السياسات الاجتماعية بالمغرب، وأكدت بالملموس أن مختلف البرامج الاجتماعية التي سبق إطلاقها على أهميتها لم تعطي النتائج المرجوة.

ومن هذا المنطلق، فهدف استعادة التوازن المالي والاقتصادي للدولة بعد الخسائر التي خلفتها الجائحة لا ينبغي أن يكون بأي شكل من الأشكال ذريعة لاتخاذ إجراءات تقشفية يكون المواطن ضحيتها وخاصة الطبقات المتوسطة والهشة، وهذا ما يستدعي قوانين مالية بنفس اجتماعي أكثر قوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى