رأي

سكورة : أراضي الجموع أو الثروة المهدورة؟

بقلم : سليمان رشيد

يبلغ تعداد ساكنة واحة سكورة حسب الإحصاء العام للسكان و السكنى لسنة 2014 حوالي 25 الف نسمة ’بما مجموعه 4100 أسرة (كانون) فقط ’في حين  يبلغ رصيدها مما يعرف محليا بأراضي الجموع ما يناهز  92 ألف هكتار ’و هي بذلك تشغل حوالي 93 بالمائة من مجمل تراب سكورة البالغ 105 ألاف هكتار ,و لا تشغل ساكنة المنطقة إلا سبعة ألاف هكتار فقط ما بين أراضي زراعية و مجال سكني و مركز مأهول’ و هي على العموم أراضي خصبة و صالحة للزراعة ’ إلا تلك المحسوبة على المجال الجبلي بمحور صاغرو / بوسكور و التي بدورها تحوي منجما ناشطا لاستخراج النحاس و معادن أخرى .
و رغم هذا الرصيد العقاري المهم  و الذي يفوق بكثير حاجيات الساكنة في مجال السكنى و التعمير و حتى الزراعة’إلا أن ساكنة المنطقة التي تمتهن الفلاحة المعاشية بالمجال الواحي لا تستفيد أبدا من ذلك ’كما لا يستفيد المجلس الجماعي بدوره من أية مداخيل ضريبية ناتجة عن الاستثمار بهذه الأراضي ’ و الحال أن نسبة الاستثمار الخصوصي على أراضي الجموع بالمنطقة ضعيفة جدا و لا تتجاوز نسبة واحد بالمائة  (1 % )’جلها استثمارات زراعية صغيرة لا تتجاوز بضعة هكتارات ’ و هو ما يعتبر إهدارا غير مقبول لثروة طبيعية كبيرة كهذه .

تسيير الأراضي السلالية ’تخبط و عشوائية و تأجيل للتنمية :

تتوزع الأراضي الجماعية بالمنطقة بين العديد من القبائل المحلية و تشرف على تسييرها جماعات سلالية متعددة ’اذكر منها تيريكوت ’لحسون ’اولاد اعميرة ’الروحة ’اولاد بويحي ,ايت اتفاو ’اماسين و غيرها ’ و تندرج تلك الأراضي كلها تحت ملف واحد للتحديد الإداري يسمى الأراضي الجماعية لسكورة أهل الوسط ’و بينما رخص المشرع للجماعات السلالية بعرض رصيدها العقاري الزائد عن حاجتها للاستثمار و الكراء أو الشراكة مع الخواص، لأجل إقامة مشاريع فلاحية أو تجارية أو صناعية أو خدماتية أو سياحية أو تسخيرها كمقالع لاستخراج الرمال و الحجارة و المعادن ’بشكل يعود بالنفع على الساكنة السلالية أولا و قبل كل شيء ’وذلك وفق مسطرة قانونية واضحة  تشكل الإطار الأمثل لضمان حقوق الجماعات السلالية من جهة و حماية مصالح المستثمرين من جهة أخرى’ فان الواقع شيء أخر ’و اللجان الساهرة على تسيير هذه الأراضي محليا تكتفي بإجراء عمليات للتوزيع العشوائي للبقع الأرضية على بعض ذوي الحقوق الذكور و بغرض وحيد هو السكنى فقط ’ و  كثيرا ما تتسبب الإجراءات التمييزية التي تنهجها بعض اللجان السلالية  إزاء ذوي الحقوق في خلق شنآن مستمر بين أفراد الجماعة السلالية الواحدة’كما تمتنع أغلب اللجان النيابية عن تمتيع النساء بحق الانتفاع أسوة بالرجال رغم وجود مرسوم وزاري بهذا الخصوص يقر و يطالب بذلك هذا من جهة ’ و  من جهة أخرى يثير التوزيع غير المتكافئ لهاته البقع الأرضية أو تمتيع بعض المحظوظين بمناطق إستراتيجية أو التساهل مع بعض عمليات الترامي الكثير من القلاقل بين أفراد القبيلة الواحدة ’و هي القلاقل التي غالبا ما تنتهي بردهات المحاكم  مما يتسبب في جعل مبتغى التنمية مؤجلا إلى ما  لا نهاية  .
في مقابل ذلك ’ لا تنجح أبدا المحاولات التي يقوم بها بعض الشباب المعطل من أجل إنشاء استثمارات صغيرة بأراضي الجموع ’كما لا يتوفق أغلب المستثمرين الكبار في انتزاع موافقة اللجان النيابية لاستغلال هاته الأراضي بموجب شراكات  ’ و هو ما يسائل أهلية بعض اللجان و نوابها و مدى كفائتهم أصلا للإشراف على ثروة كبرى بحجم أراضي الجموع  بالمنطقة.؟؟

فلاحون فقراء و ثروات مهدورة :

في الوقت الذي يواجه فيه فلاحو واحة سكورة الفقراء و ساكنتها ضنك العيش بسبب صغر الاستغلاليات الزراعية داخل الواحة و تشتتها و ندرة مياه السقي و بدائية التجهيزات المستعملة طيلة أطوار الدورة الزراعية’و رغم المعاناة المضاعفة التي تعيشها الساكنة هناك بسبب قلة الموارد المتاحة و سلبية الإنتاج المعاشي’و التي يضطر معها المئات من شباب المنطقة سنويا للهجرة نحو المدن الكبرى كالبيضاء و اكادير و مراكش و غيرها أو يركبون مغامرة الرحيل القسري نحو حلم الديار الاوروبية للبحث عن لقمة العيش ’ في هذا الوقت بالذات  تتسمر مائة الف من الهكتارات الصالحة للسكن و الزراعة و الاستثمار بكل أشكاله في أماكنها بدون طائل و لا فائدة  ’ هاته الأراضي الشاسعة -إضافة لخصوبتها – تتميز بموقعها الاستراتيجي بين محطة نور للطاقة الشمسية من جهة الغرب و حقول الذهب الأحمر –ورود قلعة مكونة- و منجم النحاس من جهة الشرق ويحدها متحف الديناصورات (تازوضا) من جهة الشمال و امتداد الواحة و بحيرة المنصور الذهبي بجهة الجنوب و’ و هي عناصر مادية و رمزية تضاعف القيمة الحقيقية لهذه الأراضي عشرات المرات إن أحسن استثمارها ’ و هي بذلك قادرة على أن تكون حلا مباشرا لكل مشاكل الساكنة و أن تشكل مدخلا لإصلاح زراعي حقيقي بالمنطقة يحقق الثروة ’و يتيح فرص شغل للجميع .
كما بإمكان فتح أفاق الاستثمار بهذه الأراضي بأن يشكل قيمة مضافة كبيرة للمنطقة و ساكنتها ’عبر استقطاب مشاريع كبرى للاستثمار بها ’و هو ما سيمكن من امتصاص الجزء الأكبر من الشباب المعطل من الجنسين ’و تنمية الموارد المالية للجماعتين السلالية (مداخيل الكراء ) و الترابية (مداخيل ضريبية ) مرة واحدة ’الشيء الذي سينعكس لا محالة على مشاريع البنيات التحتية و محاربة الهشاشة بالدواوير المعنية ’نفس الشيء بالنسبة للمشاريع الصغرى التي بإمكان الشباب المعطل الاستثمار الذاتي فيها و إنجاح مشاريع مدرة للدخل بها ’خصوصا أن اغلب الشباب بالمنطقة يمتلكون – إلى جانب شهاداتهم الجامعية – مهارات بالفطرة بقطاع الزراعة و تربية المواشي و الاستثمار الفلاحي و السياحي تؤهلهم لذلك .

تثمين أراضي الجموع …الحل الأمثل :

بعمليات بسيطة و إذا ما قمنا بتقسيم مجموع المساحة المتوفرة بأراضي الجموع بسكورة على عدد العائلات المصنفة ضمن ذوي الحقوق ( 92 ألف هكتار / 3100 عائلة ) ’و دون احتساب المجال المستعمل حاليا بالزراعة و السكنى و غيرها ’فان نصيب كل عائلة سكورية -بدون استثناء- من ثروة أراضي الجموع الحالية يساوي 30 هكتارا خالصة و نصيب كل شخص يفوق خمسة هكتارات و نصف … !!!  فهل تعجز كل هذه الثروة عن تغيير واقع أهل الواحة الفقراء ؟؟
بالطبع لا …لأن خزانا استراتيجيا كهذا يمكن أن يحدث إقلاعا اقتصاديا نوعيا بالمنطقة إن توفرت الشروط الضرورية لذلك ’ و أول هذه الشروط هي إعادة النظر في تركيبة بعض اللجان النيابية التي تناط بها مهمة الإشراف على هذه الأراضي و إصدار القرارات بشأنها ’ و اشتراط مستويات تعليمية و كفاءات عالية فيمن يفترض فيهم ترؤسها ’و ذلك قبل وضع أي مخطط تنموي لتثمينها و تحسين استغلالها .كما يفترض بالسلطات الوصية على هذا القطاع الهام بأن تبادر الى تصحيح مسار تدبير ممتلكات الجماعات السلالية و  إدماجها في مسلسل التنمية البشرية المستدامة ’للمساهمة إلى جانب الدولة في تحقيق بعض الحاجيات المستعجلة لهذه الساكنة في المجالات الأساسية كالماء الصالح للشرب و شق المسالك القروية و الطرق  و توسيع شبكة الكهرباء و التعليم و الصحة’و إنعاش وتدعيم الأنشطة المدرة للدخل، وذلك من أجل تنمية مداخيل ذوي الحقوق فرادى و جماعات، و ضمان استفادة الساكنة السلالية من تلك المداخيل لتحسين ظروف عيشها.
جدير بالذكر بأنه في العديد من المناطق على المستوى الوطني شكلت الأراضي السلالية أو أراضي الجموع مدخلا أساسيا للتنمية, خصوصا بعد دخول مخطط المغرب الأخضر لحيز الوجود ’ وبإمكان منطقة سكورة هي الأخرى بأن تستفيد من ذلك ’إن توافرت الشروط اللازمة لذلك و تم الأخذ بالأسباب المنطقية المؤدية لتنميتها ’و هي :
أولا : صياغة مخططات تنموية بعيدة المدى لكل جماعة سلالية على حدة ’مع الحرص على تكامل و إدماج مجموع تلك المخططات بالبرنامج التنموي العام للجماعة الترابية .
ثانيا : تنظيم ذوي الحقوق في إطار تعاونيات (فلاحية –سكنية – إنتاجية …) لضمان استفادتهم من أراضي مجهزة (بغرض السكنى )و إدماجهم بمشاريع فلاحية تضامنية مسيرة ذاتيا (زراعية –تربية المواشي –الدواجن …) لتحسين مستوى عيشهم و محاربة الفقر و الهشاشة بصفوفهم .
ثالثا :تخصيص جزء من الرصيد العقاري لكل جماعة سلالية و توجيهه حصرا لاستضافة مشاريع التشغيل الذاتي و المشاريع المدرة للدخل الخاصة بالشباب المعطل .  
رابعا : تخصيص جزء أخر من تلك الأراضي الجماعية للاستثمار الكبير (المشاريع الكبرى )  بهدف تنمية الموارد المالية للجماعة السلالية .
خامسا :تشجيع المشاريع ذات النفع العام أو المرافق العمومية :مدارس-مستوصفات -مساجد- إدارات …و ذلك بتخصيصها بوعاء مجاني و تسهيل مسطرته.
سادسا: توظيف عائدات الاستثمار و الشراكات و الكراء التي تضخ بصناديق الجماعات السلالية لتنفيذ برامج تنموية محلية بمجالات البنية التحتية و الخدمات الأساسية لتحسين ظروف عيش الساكنة .
هذا بالنسبة لتنمية المناطق السلالية (الدواوير) ’أما بالنسبة للمركز فالجماعة الترابية مدعوة لفتح النقاش مع الجماعات السلالية القريبة بغرض تأمين الوعاء العقاري اللازم لإنجاح برنامج عملها و إحقاق التنمية المجالية’بما يمكن من تقوية الجاذبية الاقتصادية للمنطقة ’ و توسيع مرافقها العمومية الحالية و خلق أخرى جديدة بالمركز (منتزه عمومي – مدرسة جماعاتية –الوقاية المدنية – قضاء القرب –التكوين المهني …) ’و الاستجابة للحاجة الماسة في توسيع المجال العمراني و السكني بخلق تجزئات سكنية جديدة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى