حسن مطيع – باحث في السياسات العمومية وقضايا الشباب
يعتبر ترسيخ الديمقراطية، و دعم حقوق الإنسان و توسيع الحريات العامة و الفردية من أساسيات الدولة الإجتماعية، ذاك المجتمع المواطن، العصري، الديمقراطي والمتضامن والمتعاون الذي يتبناه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، وهو ما تم الوقوف عليه، حيث سجل المغرب تقدما كبيرا في هذا الشأن خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد دستور 2011، الذي جاء بمستجدات كثيرة وكبيرة أخدت مسارها في التنزيل والترسيخ، وأعلى من مكانة مؤسسة البرلمان من جهة، ومن حقوق وحريات المواطنين من جهة أخرى. بالإضافة إلى ورش الجهوية المتقدمة، وفي هذا الصدد يشكل تعزيز مسلسل اللامركزية الذي يعتبر خيارا لا رجعة فيه، مركز اهتمام دائم باعتباره يساهم بشكل قوي في ترسيخ ممارسة ديمقراطية القرب، وتشجيع مشاركة مواطنة في تدبير الشأن المحلي.
وعودة للجهوية المتقدمة فهي خيار حقيقي يهدف إلى تحقيق تقدم واضح للمجتمع المغربي حسب خصوصيات كل جهة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، و حسب مواردها المتنوعة والمتعددة، إضافة إلى خصوصيات المجال والمواقع… والتي يتعين استثمارها وتدبيرها باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة والدامجة. وكما هو ملاحظ اليوم بأن الأدوار التنموية للجهات في تدبير السياسات العمومية الترابية، أضحت تنهج أسلوبا ناجعا لتحقيق النزاهة والفعالية في الخدمة المقدمة للمواطن، باعتماد التنزيل الأمثل للجهوية المتقدمة. إلا أنه لازالت تبحث عن ذاتها وفق خصوصياتها المجالية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية كما سبق ذكرها، وتماشيا مع الإصلاحات المؤسساتية والاستراتيجيات العامة للدولة على مستوى تدبير الشأن العام الترايي.
و بالتالي فإن إرساء هذه المقاربة الجديدة وتفعيلها ينبني على رؤية واضحة وإصلاح جدري قائم على نظرة شمولية أيضا، وليس على إصلاحات تجزيئية ومرحلية تهم تحقيق أهداف ضيقة وبالعكس تعوق مسار التنمية الترابية.
وفي هذا الشأن، ولتجاوز مخلفات الماضي القديم والقريب، لابد من اعتماد وتوفير دعامات تتمثل في :
1- منتخب فاعل ومسؤول، وتتوفر فيه شروط الكفاءة الأساسية للانفتاح والتواصل والترافع والمواكبة، منتخب ذا مستوى من التأطير والتكوين يؤهله لمسايرة انشغالات الرأي العام والفاعلين الترابيين جهويا، وحريص على العمل وفق اختصاصات الجهة في تدبير
السياسات العمومية الترابية. فالتدبير الجهوي هو علم وعمل يحتاج إلى منتخب سياسي قادر على العمل والتنسيق مع مختلف الفاعلين السياسيين والفاعلين المدنيين وباقي المصالح اللاممركزة للدولة داخل تراب الجهة كفريق منسجم، لتحقيق الالتقائية في السياسات العمومية الترابية وفي في عملية تدبير القضايا جهويا.
2- موظف جهوي محترف و ذا تكوين يجعله قادرا على تيسير العمل داخل إدارة الجهة، والمبني على أساس التدبير العمومي
الحديث المبني على الفعالية والجودة والمسؤولية.
3- قطاع خاص متمكن وواع بالخصوصيات الجهوية في مختلف القطاعات والمجالات، قادر ومتمكن ويمثل مقاولة مواطنة ومنفتحة على قضايا وهموم محيطها، مقاولة تهدف المشاركة الفعالة في تحقيق التنمية الجهوية، من خلال التثمين الأمثل والتسويق الأنجع للمنتوجات المحلية، وأيضا من خلال تشجيع الإستثمار الجهوي والمحلي في كل المجالات و النهوض بميكانزماته.
3- مجتمع مدني مشارك، منخرط ومحترف في تقديم اقتراحات قوية ونوعية وذات فعالية. مجتمع مدني متمكن من حقه الدستوري في المشاركة المواطنة والمساهمة الفاعلة في مسار تحقيق التنمية.
4- فضاء للنقاش والحوار، فضاء لتبادل التجارب والخبرات بين جهات المملكة والحكومة والخبراء في مختلف المجالات.
5- استراتيجية مواكبة للموارد المالية والبشرية للجهات.
6- فاعل، منتخب، موظف، مقاول ومواطن، واع بالأدوار الأساسية والكبيرة، التي تقوم بها مؤسسة العامل ومؤسسة الوالي في عملية التنسيق والتدبير التشاركي الناجح لمسألة الفعل الترابي في اتجاه تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بالجهة.
إنه التدبير الجهوي الحقيقي في مسار تحقيق التنمية.