ابراهيم مازوز
لم أكن أتصور حجم و معاناة قصر تاوريرت إلا ونحن نقوم بزياراته مع أصدقائي من أبناء الحي، قصر كان في يوم من الأيام القلب النابض و عاصمة هذه المدينة المغلوبة على أمرها ( ورزازات ) مدينة قالوا عنها مدينة بلا ضجيج ، والقصر/ العاصمة كان كله ضجيج وحياة ، مما ولد له أعداء من المناطق المجاورة ، القصر الذي احتضن انتاجات سينمائية عالمية ، ولم ينال منها إلا الفتات ، كيف لا والقطاع يعج بسماسرة وأشباه السينمائيين، انها حال مدينة قيل ويقال وسيقال أنها ” هوليود ” إفريقيا ، دلفنا إلى القصر من ساحة ايمي نتيزي ( باب الفج ) والذي يذكرنا بورزازات و ريحيها العاتية خلال شهري ابريل و ماي و يذكرنا ببئر ” انو نايت الحاج ” الذي كان يروي القصر بمائه ردحا من الزمن ، سكون مخيف ورهيب يخيم على المكان ، هذا المكان الذي كان يضج بالحركة كما قلت سابقا الى عهد قريب أدركنا أن القصر تكالب عليه الدهر و ابناؤه و كل خطط التنمية المعطوبة ، هنا يمكن أن تدرك حجم وهول معاناة السياحة في هذه الربوع التي سميت بهتانا وزورا مدينة سياحية قصر يمكن أن يذر الملايين على المدينة يعيش أحلك أيامه .
اتجهنا صوب ” اكران ” حقول القصر المطلة على وادي درعة وقبل ذلك كان علينا أن نمر على ” تركا ” بتفخيم الكاف ” ساقية ” تاوريت والتي يجلب – ( بضم الياء )- إليها الماء من حي ” داو اكديم ” المعروف بحقوله التي كانت تساهم في تزويد المدينة بالخضر والفواكه المحلية ، حي يعيش هو الأخر كل أنواع التهميش بل من ساكنة ورزازات من لايعرف موقعه ، طبعا تعرفه السلطات عند الحاجة و الساسة و السياسيين عند كل موعد انتخابي . 2026 على الأبواب لينطلق ” موسم عام الانتخابات ” وأتسأل ” واش هاذ الساسة عندهم لوجه باقي باش ادخلوا ” لهذه الإحياء لإلقاء خطبهم العصماء و وعودهم التي لن تجد طريقها إلى التنفيذ ؟
تذكرنا كيف كانت ” الساقية ” تجلب مع مائها “التوت البري ” والذي تأتي به من ” فيلات ” حي” لاستي” الراقي ونلتقطه لنأكله ونحن أطفال بدعوى أنه نظيف بما أن الماء هو الذي يجلبه و رغم ان المياه العديمة لنادي البحر الأبيض المتوسط ” الذي كان يعج بالسواح و كان يعيش بحق أزهى أيامه و يساهم في تنمية اقتصاد المنطقة ” كانت تمر بنفس ” الساقية “.
حقول كنا نأكل منها ” تزارت ” التين و” بوفقوس ” و ” العنب ” أما اليوم أصبحت حقول جرداء ، أما الوادي أصبح مرتعا للخنازير.
مررنا ب” ايمي نتقموت” والحسرة تعتصرنا لتستقبلنا ساحة ” ايمي نوقجي نالو ” حيث كانت تنظم الأعراس وكل حفلات “القصر” و ما يثلج الصدر أن الساحة تضم بعض المقاولات الشبابية والتي في حاجة إلى الدعم والمواكبة .
لايمكن أن تمر بالقصر دون زيارة سي محمد بوخرو اش رمز من رموز شباب الحي المتشبت بالقصر رغم ماعرفه من خراب جراء أمطار السنة الماضية وزلزال 8 شتنبر ، رجل له عالمه الخاص شاعر من طينة أخرى خطاط ورسام مطلع على كل خبايا القصر يعلم من تكالب عليه وما يحاك حوله ..رغم كل ذلك يؤكد أنه لن يغادر القصر إلا وهو جثة هامدة .
سي محمد بوخرواش هو “كأس أتاي ” و ” تكمي تقديمت ” مشروع سياحي يمكن أن يساهم في الترويج للقصر سياحيا.
ونحن نودع سي محمد بوخرواش التقينا ” صدفة التهامي ن سالم ” علم من أعلام أحواش ، و” أنظام / الشاعر” الرجل لايشق له غبار في مجاله ، رجل يقاوم المرض و عامل السن ولكن متشبت بالحياة و العيش في القصر ، حينما تلتقي ” تهامي ” لابد أن يشنف سمعك بحكمة شعرية أمازيغية ، وعلى عادة أهل القصر دعانا لكأس “أتاي ” اعتذرنا له ، وتوادعنا على دعواته .
ولجنا ” درب نوكنسو” ذاكرة أخرى لقصر تاوريرت، درب ” يعتبر حيا داخل الحي ، و تجليا راقيا للتعايش بين الأديان و التسامح بين الأجناس و الثقافات، ذلك أن هذا الدرب يعرف تواجد فرع الزاوية الناصرية إلى جانب بيعة اليهود، وكان دربا يقطنه المسلمون إلى جوار اليهود وكل يمارس حياته و طقوسه بكل حرية ” ، في هذا الدرب ستتوقف عند ” خالد جمقري ” الذي يحمل هم الساكنة ، شاب له أسلوبه في الدفاع عن الساكنة .حين تلتقي مع خالد لابد أن من الحديث على : الترميم و الدعم الخاص بالدور المتضررة من الزلزال ، أسئلة كثيرة كنا نطرحها دون أن نجد لها أجوبة من قبيل :
- هل هناك اعتمادات إضافية خاصة بالترميم ؟
- مامآل المشاريع المدرة للدخل التي استفادت منها 19 جمعية من الحي ، مشاريع يمكن أن تساهم في انعاش الحي ؟ لازالت الجمعية تنتظر الدعم التي وعدت به السلطات الى يومنا هذا .
- مامآل الدور التي لم تستفيد من الترميم ؟
- الا تستحق أزقة القصر الاستفادة من التبليط على غرار ماتعرفه المدن المغربية التاريخية على سبيل المثال لا الحصر أصيلا و الصويرة …؟
- لماذا تم اعتماد نفس المعايير التي تم اعتمادها في إعادة اعمار الدور التي تضررت من الزلزال و للقصر خصوصيات التي يجب مراعاتها والبلاغ الملكي شدد على مثل هذه الأمور ومما جاء فيه يتم إجراء عملية إعادة الاعمار على أساس دفتر التحملات وإشراف تقني و هندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة ؟
- هل تم انجاز دراسات لهذه الدور وعلى ضوئها تم وضع التصاميم ؟ لاقدر الله ” غير تمس شي دار غادي تجيب معها عشرة الديور، راه شي لاصق فشي “.
- الم يكن من المجدي إشراك مركز صيانة التراث في كل مايتعلق بالقصر أمام المشاكل التي يطرحها الترميم وكذا إعادة بناء الدور المتضررة من الزلزال ؟
- الايمكن اعتماد مقاول عن طريق صفقة لإعادة بناء هذه الدور لخصوصيتها ؟
أسئلة كثيرة تتطرح ولا إجابة لها في زمن المعلومة ،تركنا خالد وهو عازم على مواصلة نضاله من اجل الحي .
انطلقنا نحو ” ساحة أيمي نوا لوط ” انها” سويقة ” القصر في يوم من الأيام حيث كانت تباع المنتوجات المحلية التي تأتي من” أيت بودلال و تدمريشت و غليل و كذلك من حقول تاوريرت و سيدي داوود و داو اكديم “، في هذه الساحة كانت تنظم كذلك كل حفلات القصر واجتماعاته وكل مايهم امور القبيلة .
غادرنا الحي والألم يعتصرنا ، غادرنا الحي ونحن نلقي اللوم على أنفسنا نحن أبناء الحي الذي لم نستطيع أن نفعل له أي شئ ، غادرنا القصر وكلنا إصرار على التعريف بمعاناة القصر حسب إمكانياتنا الذاتية ، ربما استمعوا الينا .