رجب ماشيشي – إعلامي وباحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين
عوض إسم الجنوب الشرقي ( بالتحديد الجغرافي ) ، أو ( درعة تافيلالت ) بالتقسيم الإداري والترابي ، ونظراً لتوظيفه الشاسع ، ومن طرف فئات عريضة ( بوعي أو بغير وعي ) ، كما بمجالات عديدة ومختلفة ، إضافة إلى أبعاده التاريخية والثقافية والإجتماعية واللغوية والسياسية … ، فمفهوم أسامر ، يستدعي منا جميعاً التأمل والتدقيق فيه معنى ودلالة ، وكذا دراسة قنوات توظيفه السليمة وحتى غير السليمة أحياناً ، مع تحديد الغاية من إستثماره ، ولأغراض إديولوجية وعنصرية خطيرة وغير بريئة ، قد تؤثر على عمق وفلسفة معنى أسامر المجال والانسان .
✓ تاريخيا : وظف مفهوم أسامر وبشكل كبير في العديد من الدراسات والأبحاث التاريخية والأنثروبولوجية الكولونيالية ( كتابات جورج سبيلمان ، أندري باسي ، شارل دو فوكو تقارير المستعمر والضباط الأهالي … ) ، ما يؤكد تداول كلمة أسامر تاريخيا بكل ربوع الجنوب الشرقي المغربي ، وكذا غيره في مجموعة من بقاع أرض الوطن عموماً ( بل وربما بشمال إفريقيا ) ! نظراً لارتباطه بأسماء الأعلام والأماكن ( الطوبونوميا / علم الأسماء والاماكن ) .
✓ جغرافيا : أسامر ، تعني الإحالة لوجهة الشمس ومجراها تحديدا ، أو الأرض / المجال الصحراوي الجاف والخصب الذي لا تفارقه أشعة الشمس طيلة فصول السنة ، لإعتبار طبيعة المناخ الطبيعي السائد بتلك المجالات . ويذكر مثلا في التميز بين قبائل أيت عطا ( أيت عطا ن أومالو / الظل بمجموعة من مناطق الأطلس الكبير الشرقي والمتوسط ، ببني ملال و أزيلال … و أيت عطا ن أسامر / تافويت بالمنخفضات والسهول بمناطق الجنوب والجنوب الشرقي المغربي ) ، في حين يصعب بقوة الإمتداد التاريخي ، إلى جانب الأزمات والهجرات وموجات الرعي والقوافل التجارية عبر الأزمنة ، تحديد نقط عرض وطول أسامر كمجال ، إلا بمعطى ومعيار الشمس كمقياس حسب اعتقادنا .
✓ لغويا / لسنيا : ( تركيبيا ودلاليا ) ، يقصد بكلمة أسامر ، بالعودة لأصل الفعل والإشتقاق والطبيعة التركيبية / ( nature grammaticale ) ، ما يمكن إجماله فيما يلي :
– أسامر : ( n.m.s ) / إسم مذكر مفرد / substantifs ، تعبيرا عن مكان أو علم / toponyme de lieu ، علاقة بطوبونوميا الأماكن ، ويصنف في قسم إسم علم جغرافي /toponyme géographique ، للتعبير عن مجال ، والذي قد يكون ( هضبة ، سهلا ، جبلا ، … ) .
– أسامر : ونميز مورفولوجيا من خلاله بين :
– أ : أداة المذكر المفرد / masculin singulier
– سمر/ رغ / أسخن / être au soleil : الفعل الأصل بصيغة الأمر / base verbale en forme d’impératif .
أس(ا)مر : الألف الذي يفصل حرف السين بحرف الميم : إمتداد صوتي / allongement vocalique ، وهي ظاهرة صوتية / phénomène phonétique تفرزه حركات النطق ، دون التأثير عن المعنى الدلالي للكلمة .
أما من زاوية نظر دلالية – / point de vue sémantique ، إذ وبمجرد البوح والنطق بكلمة أسامر ، ليتشكل في متخيل المتلقي فضاء تغمره الشمس ، ويقصده الناس حين البرد من أجل الإستمتاع بأشعة الشمس قبل غروبها ومطاردة زمهرير فصل الشتاء ، والمدعو بصيغة التصغير لأسامر – تسامرت – ( أنرار / بيدر / lieu de battage ، أرحبي ، تادولي / فضاء ، سطح / terrasse ، إمي ن إغرم / مدخل القصر / entrée de kser ، إمي ن تمزكيدا ، لجامع / أمام المسجد / devant la mosquée … ) ، إضافة إلى أن الحديث عن لفظة أسامر ، يصاحبها مجمع أهل القصر أو القبيلة / scène de rencontre ( الكهول والنساء خاصة ) ، قصد تبادل أخبار الساعة وجديد القصر وأحواله ، بموازاة مع التضرع إلى الله بالتسبيح ، والقيام بأنشطة يومية خفيفة من قبيل ( تيتزيت ن إخسان ، أفران ن إمندي / إعداد أكل البقر والمواشي ، تنقية القمح …) . وبالرغم من كل هذه الأدوار الإجتماعية والدينية وغيرها ، التي يقوم بها فضاء تسامرت تاريخيا ، إلا أن البعض مع مرور الوقت ، أضحى يصفها ( تسامرت ) ، بمكان للفتنة والهزل والغيبة والنميمة ، لتفقد مكانتها أمام ظهور وسائل التواصل الإجتماعي وتطور أنماط الحياة الإنسانية ، لينعت اليوم كل متخلف بأفكاره وكثير القيل و القال/ bla-blas ودون جدوى ، بذي أقوال تسامرت واصفا إياه ب ( بو إواليون ن تسامرين / تسومار ، بو تواليوين ن داو إكيدار / صاحب أقوال تسامرت …) ، تبخيسا لقوله وإفراغه من الصواب ، أمام تطور المعلومة ودقتها .
✓ سياسيا / إديولوجيا : إلى جانب التعاريف العلمية السالفة والموجزة التي أوردناها عن مفهوم أسامر ، يستوجب كذلك إستحضار ظاهرة إديولوجية خطيرة ، يؤسس لها ( بوعي أو بغير وعي ) ولغرض في نفس يعقوب ! ” مجموعة من شباب الجنوب الشرقي ” ، المحسوبين على تيار قبلي معين ومحدود ، منصبين إياهم ناطقين بإسم الجماعة ، إذ يجرؤون ويجهرون بأن أسامر لهم ولتيارهم السالف الذكر وحدهم ، لا لغيرهم ! وهو فكر تمييزي وعنصري وقبلي خطير ، تتداعى له العديد من الفئات شبه المثقفة ، في فكرها وسلوكاتها وأنشطتها ، عبر تعميق الجرح ( قصدا أو مسخرة أو بريئة ) ، من خلال الإنخراط في هذا ” المخطط العنصري الإستعماري الجديد ” ، إذ أصبح جلهم لا ينشد ولا يتقن إلا هذه القصيدة ( حزب أسامر ، تنسيقية أسامر ، جمعية أسامر ، مجموعة أسامر ، كفاءات أسامر ، قناة أسامر … ) ، الشيء الذي نخشى من تأثيره سلبا على الإنسان والمحيط ، ما لم يتم مطاردته والتصدي له ولغيره مما شابه ، في خلخلة بنى التماسك الإجتماعي والتاريخي والثقافي المتنوع والغني بالجنوب الشرقي ( أيت عطا ، أيت مرغاد ، أيت حديدو ، أيت إزدك ، أيت سغر أوشن ، أيت تدغت ، إحرطان ، الشرفاء ، إكرامن ، أيت يحي … ) ، سعيا نحو تعزيز المشترك وبناء الوحدة ، عبر رموز موحدة أرقى ، تؤسس لتوازن لغوي وثقافي يشكل مشروعا وتصورا حقيقيا وصلبا لهويتنا الأمازيغية العريقة ، وعنوانا للإستقرار الإجتماعي ، خدمة للتمنية والإقلاع الإقتصادي إنسانا ومجالا.