خالد أفررائير
يعيش المشهد السياسي ببلادنا على وقع فوضى كثيفة تتصف في الكثير من أوجهها بنوع من العبث واللامسؤولية في التعاطي مع شواغل البلاد وقضاياه الحقيقية، في الوقت الذي تتعطل فيه الحياة على نحو مؤلم، وتتضاعف فيه الضغوطات الاجتماعية وتزداد فيه مخاوف القلق والتوتر وعدم الإحساس بالأمان لدى الكثير من العائلات والأسر نتيجة هذا الوباء الذي يقف العالم عاجزا عن مواجهته، والتراجع مفزع للقدرة الشرائية بفعل بطء الدورة الاقتصادية للبلاد، مع تأكيد كل المؤشرات بدقة الظرف الاقتصادي والصعوبات المالية بضعف الاحتياطي من العملة الصعبة، يتزامن كل ذلك، مع انخراط غريب لبعض النخب السياسية في حروب التموقع وتصفية الحسابات رغم بعد سنة من الزمن الانتخابي ودفع البلاد دفعا إلى سيناريوهات الصدام والمواجهة وهدم منسوب الثقة بين المواطن والدولة الذي عاشه المغاربة في لحمة ووحدة وطنية تاريخية بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي تمت فيه تعبئة كل مكونات الدولة المغربية لمواجهة فيروس كورونا، وتم فيه تفضيل الدولة للمواطن على الاقتصاد.
في الوقت الذي كان حريا بأبناء وطني بأن يفكروا بعقل جماعي و أن يستفيدوا من مكامن نقط ضعف وطننا خلال هذه الجائحة بتأسيس فضاء لاقتراح الأفكار ومناقشتها ووضع استراتيجية بناء الدولة القوية التي تعتمد على الاكتفاء الذاتي لما بعد مرحلة كورونا….يطل علينا من جديد بعض من الرجالات الذين أسندت لهم بتفويض من الشعب بتدبير الشأن العام بتسريب وثيقة مبتورة لمسودة القانون المثير للجدل ” 22-20 ” الذي لم يكن حوله إجماع بالمجلس الحكومي و عارضه حتى بعض وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار والذي تمت إحالته على لجنة وزارية ” تضم وزير التشغيل ( حزب العدالة و التنمية) وزير الدولة وحقوق الإنسان ( حزب العدالة و التنمية ) وزير الداخلية ( تكنوقراط) وزير العدل والحريات ( حزب الاتحاد الاشتراكي) لتعديله بما يتوافق مع الدستور، في غياب تام لوزراء التجمع الوطني للأحرار، فكيف لهم أن يدافعوا على هذا القانون الذي تم التسويق له من قبل الاخوان على أن هذا الأخير هو الذي يقف من وراءه في لجنة نصفها من حزب العدالة و التنمية، ففي الوقت الذي كان ينتظر منهم تعديل القانون بما يتماشى مع المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال الحريات و في احترام تام لمضامين الدستور باعتبار أن هذا القانون تمت المصادقة عليه من قبل كل مكونات الحكومة وإحالته على البرلمان فيما بعد، فما الغاية من التسريب من قبل وزراء الحزب الحاكم وخاصة الوزير الذي بوأته الدولة بحقيبة الحكيم بين الوزراء مع الاستعانة بأسلوب مقيت ينتهجه حزبهم والذين ما فتؤوا دائما في كل القضايا يعارضونها خارج المؤسسات و أمام عامة المواطنين وبالمقابل يصوتون عليها بداخلها….أطلوا علينا من جديد بأسلوبهم الماكر بتسريب منهم لبنود معينة لهذا القانون الذي يتطرق لنقطة مستفزة للمغاربة مصطلح ” المقاطعة ” ، لم يكن حبا في سواد عيون المغاربة أو دفاعا عن حقوقهم الدستورية في حرية التعبير وإنما كان لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم على رأسهم عزيز أخنوش، فبعد موقف الرجل الوطني رفقة مولاي حفيظ العلمي خلال جائحة كورونا وما لقي موقفهم من ترحيب من لدن المغاربة، أزعجهم كثيرا وآثار حفيظتهم في الوقت الذي لم يساهم فيه أثرياء حزبهم بصندوق تدبير الجائحة وكذلك العمل الكبير الذي قام به بعض الوزراء الذين ينتمون لحزب التجمع الوطني الأحرار من خلال مساهمتهم من موقع المسؤولية الملقاة على عاتقهم في الحد من تداعيات الوباء ببلادنا من قبيل وزير الفلاحة و الصيد البحري عزيز أخنوش ووزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي مولاي حفيظ العلمي وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في الوقت الذي تلكأ وزراء الحزب الحاكم والانزواء للخلف عاجزين على المساهمة من موقعهم الوزاري بجانب الدولة لمواجهة هذا الوباء القاتل لضعف كفاءاتهم وتجربتهم في تدبير الشأن العام بالبلاد كل هذه العوامل غيبتهم عن الأنظار….فعادوا للمشهد السياسي ليس بمنطق المساهمة خدمة لمصلحة البلاد و إنما بنهج سياسة الدسائس تصفية للحسابات أكثر منها على ملحمة صناعة مصلحة الوطن، لقد بات واضحا بل في حكم المؤكد أن حزب الإخوان يتخذ المواقف بناء على موقفها من الطرف السياسي الآخر سواء كان حليفا أو خصما حتى ضاعت المبادئ والقيم والأهداف النبيلة التي ينشدها الجميع، فهل من المعقول أن يقع كل هذا الاختلاف على بعض المواقف التي يتضح بها بجلاء انتهاك لحقوق المواطنة والإنسان، فمغرب الملك محمد السادس قد قطع أشواطا مهمة في مجال حرية التعبير عن الرأي، واستطاع تجاوز القمع الذي طبع سنوات الجمر والرصاص في عهد من سبقوه، مع النهوض بحماية حقوق الإنسان كخيار استراتيجي للمملكة المغربية.
في هذا السياق أصدر حزب التجمع الوطني للأحرار بلاغ إثر اجتماع مكتبه السياسي مستعرضا رأيه من قانون ما يصطلح عليه بتكميم الأفواه برفضه وعدم قبوله في أي لحظة، وتحت أي تأثير، وفي أي سياق كيفما كان، التراجع عن المكاسب الدستورية التي حققتها المملكة فيما يتعلق بالحقوق والحريات ومجالات ممارستها….وبهذا الموقف الواضح اتضحت الرؤية أن لا يد له في هذه النازلة و قطعت الشك باليقين، وأدرك المتتبعون الموقف الواضح و الصريح من هذا الجدل الدائر.
مما لا شك في أن البلاد تعيش فرزا سياسيا وحزبيا، أشبه بالمخاض العسير، وإنها قادمة على موعد انتخابي هام ومصيري خلال السنة القادمة، ولكن لا شيء مطلقا يبرر هذا «السلوك السياسي الأرعن» الذي بات السمة الطاغية لأجندات بعض الفاعلين السياسيين.
إن المنافسة السياسية والحزبية، سلمية مدنية، مجالها فضاءات الحوار والتطارح الفكري الحضاري، وسبيل الفوز والوصول الى مواقع السلطة والحكم هو الاحتكام الى الإرادة الشعبية واحترام اختياراتها وفق ما ضبطه الدستور وتقره الأعراف الديمقراطية والقيم الإنسانية الكونيّة.
فالخصوم السياسيون لا يجب أن نعمل على هزمهم أو التخلص منهم بالدسائس والمؤامرات والشيطنة وأكاذيب التآمر والانقلاب وتحويلهم إلى شياطين وهذا ليس غريب عليكم فمنذ توليكم للحكم و أنتم تحاربون كل مسؤول حزبي يختلف معكم اتهمتم مزوار بسارق لمال وزارة المالية بدون دليل مادي وبعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة أصبح حليفكم ووضعتموه في مكانة عبد الله باها رحمة الله عليه، اتهمتم حزب الاستقلال و أمينهم العام السابق شباط بأنهم يهربون الأموال وبعدها أعطيتموه الوعد بإدخاله للحكومة لولا فشل زعيمكم الأممي في تشكيلها، اتهمتم حزب بنعبد الله ومن معه بالحزب الشيوعي و الملحد وفيما بعد أصبح صديقكم وحليفكم لأنهم يدعم أطروحاتكم، اتهمتم حزب الكتاب بالعلمانية و أنهم أعداء الله، كما هاجمتم حزب الأصالة و المعاصرة بأنه حزب المخزن والعفاريت و التماسيح في إشارة إلى مؤسسه فؤاد عالي الهمة و بأن قيادييه جلهم من تجار المخدرات، فيما نراكم تغازلونهم اليوم، و أما عزيز أخنوش بعدما كان رجل المعقول و الكلمة كل مصائب الدنيا علقتموها للرجل منذ توليه رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار و لا استبعد أن تقولوا خلال شعار انتخاباتكم المقبلة أن أخنوش هو صانع فيروس كورونا……بالله عليكم أي سياسة تمارسون عودوا إلى رشدكم فهذا شأن التسلط والاستبداد، وسبق لبلادنا أن عاشت مثل هاته الممارسات على مدى عقود طويلة لم تخلف إلا المآسي والجراح وإضاعة فرص ثمينة للتقدم والتنمية وتطوير الدولة والنهوض بالمجتمع.
فمثل هذه المعارك فاشلة، وهي مضيعة للوقت وهدر للجهد، فالسياق التاريخي الذي دخلته بلادنا منذ الربيع العربي بدستور جديد عصي عن الإيقاف أو التكسير وأقوى من كل محاولات الجذب الى الخلف، فمكسب الحريّة قائم لا محالة ودون رجعة، والانتقال الديمقراطي يراكم النجاح تلو النجاح، وسيصل في النهاية ببلادنا الى شاطئ الدولة الديمقراطية المستقرة.
في بلادنا للأسف، أصبنا ببعض النخب لا ترى إلا الظلام و الاتهام وتغليط الرأي العام، إلى الدرجة التي أصبحت تستغل فضاء التواصل الاجتماعي لتصفية الحسابات مع الخصوم حفاظا عن مراكزها ومناصبها، وهي المتحكمة في تصريف شؤون البلاد، وهذا أمر خطير لأنه يمس هيبة الدولة ويضرب ما لرموزها من مفاهيم وتصورات وطنية صميمة.
على النخبة السياسية أن تتراجع خطوة الى الوراء لترى حجم الخراب والتدمير الذي يلحق يوميا الحياة السياسية والحزبية في بلادنا. وعليها أن تعي أن مسار الضبابية والكواليس والمخفيات لا يجدي نفعا ولا يحقق مكاسب لأن وضع الحرية سينتهي إلى كشف كل الألاعيب والمؤامرات والدسائس التي انخرط فيها االبعض من السياسيين وأشباه الإعلاميين والنخبة عموما.
و من أولى المهمات المطروحة على نخبتنا السياسية الابتعاد عن منطق التشكيك في كل شيء وتغييب عناصر الثقة في ما بينها، وعليها أيضا أن تحذر من خطورة استمرار منهج المغالطات والكذب ومحاولات توجيه الرأي العام بما ينطوي عليه كل ذلك من طمس للحقائق وتلاعب بالوقائع وهضم للحقوق واستغباء للعقول، وهذا مسلك نهايته دائما تكون قريبة.
صارحوا الناس، واعملوا على إقناع الرأي العام بطروحاتكم وبرامجكم ومارسوا بشجاعة سياساتكم بشفافية ودون إمعان في الدسائس والتعمية.