مجتمع

حقوقيات يوصين برفع “عبء الإثبات” عن النّساء ضحايا العنف والاغتصاب


جاء “اليوم الدّولي للقضاء على العنف ضد المرأة” لتجديد النقاش حول مجموعة من القضايا التي تصعّب ولوجية النّساء المغربيّات، ضحايا العُنف تحديداً، إلى العدالة، ومنها مثلاً “صعوبة إثبات العنف”.


واعتبرت التنظيمات النسائية هذه الصعوبات “عبئا يثقل كاهل الضحايا، خصوصا أن العديد من المجرمين المتورطين في هذه القضايا يعرفون جيدا كيفية الالتفاف حول هذه الثغرة من خلال اختيار الصيغ والأزمنة والأمكنة المناسبة”، حسب المصدر.


وجاء في المصدرأن فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت في تقريرها الأخير حول “العنف المبني على النوع الاجتماعي”: “تبرز النسبة المرتفعة للعنف الجسدي إشكالية ثالثة تتعلق بعبء إثباته، الذي يبقى معلقا على الإدلاء بشهادة طبية تحدد مدة العجز، وعدم تطابق الضرر الجسدي اللاحق بالضحية مع مدة العجز التي تسجل في الشهادة الطبية المدلى بها، خاصة أن القانون الجنائي يميّز بين ارتكاب أعمال عنف أو إيذاء خفيف (…) وهو ما يجعل تكييف الأفعال معلّقا على مدّة العجز المحدّدة في الشّهادة الطّبية”.


وفي هذا الصدد، قالت كريمة رشدي، ناشطة حقوقيّة وعضو ائتلاف 490، إن “الإثبات مثّل مرارا عائقا أمام ولوج النساء ضحايا العنف بمختلف أشكاله إلى العدالة، لذلك يجب تأهيل أنظمة التقاضي لكي تعتمد في أحيان عديدة على تصريحات الضحايا حصرا، لكن بالاستعانة بالخبرة النفسية”.


وأوضحت رشدي أن “موظفي القضاء والشرطة والدرك لابد أن يتم تكوينهم في التعامل مع قضايا العنف، لكونها حسّاسة وتختلف من ضحية إلى أخرى من حيث الرغبة في الكشف عما حدث”.


وبخصوص الصعوبة القانونية التي يطرحها اعتماد التصريحات فقط، قالت رشدي إنه “يجب أن نقرأ هذا الموضوع بحسن نية حتى لا يَجري تعويم هذا النّقاش”، مؤكدة أنه “ليست كل امرأة ضحيّة عُنف تودّ أن تصفي حسابا ما أو تورط شخصا ما إذا تمّ الاعتماد على أقوالها، بل الحقيقة أن تسهيل الوصول إلى العدالة سيساهم في الحد تدريجيّا من العنف ضدّ النّساء، بما أن عائق الإثبات يمنح الرجل الذي يمارس العنف نوعاً من الحصانة في حالات كثيرة”، حسب المصدر.


 وأضافت المتحدثة أن “المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف تُواجه مُشكل الإثبات ليس في المغرب فقط، بل هي مُشكلة عالميّة؛ والإثبات عنصر أساسي بالنّسبة للعدالة، لكن حين يكون وسيلة لتوطين الظلم في صفوف النساء فهنا يجب أن نُسائله بجدية”.


مؤكدة أن “هناك عنفا لا يترك أثرا رغم خطورته، لذلك من الضّروري تمتين آلية الإثبات انطلاقاً من شهادات النّساء بمواكبة من المساعدات والمرافقات الاجتماعيّات”.


وسجلت المتحدثة عينها بخصوص الإثبات من خلال الشهود أن “العديد من المغاربة يتحفظون على التدخل بين امرأة وزوجها أو أخت وشقيقها أو فتاة وحبيبها، إلخ؛ لذلك هذا الجانب بدوره يطرح مشكلا، خصوصاً أن بعض أشكال العنف من الصعب بمكان إثباتها، وهو ما يبين نوعا من القصور في اعتماد الشهادة الطّبية في حالات العنف الجسدي”، مردفة بأن “الإثبات في الأصل يجب أن يكون في خدمة الضحايا، وليسَ آلية لتَعقيد وصُولهنّ إلى العدالة”.

ومن جانبها قالت المحامية وعضو فدرالية رابطة حقوق النساء، فتيحة شتاتو، إن “الإثبات يظل مسألة جوهرية في أنظمة العدالة، لكن في بعض الأحيان، خصوصا في قضايا العُنف التي تكون بين الزوجين أو في حالات الاغتصاب، لا تستطيع المرأة إثباتها، لكونها تدُور أساسا في فضاءات خاليّة أو مغلقة، لا يكون فيها أيّ شخص”.


كما أعربت شتاتو مستغربة أن “الرجل لا يُطالب بإثبات أنه لم يقم بالاعتداء الجنسي أو بالعنف”، ومبرزة أن “بعض حالات الاغتصاب لا تترك أثراً؛ فالاغتصاب لا يعني بالضرورة الإيلاج”.


وأضافت: “الإثبات الذي يوضع على عاتق المرأة يساعد المجرم على الإفلات من العقاب مثلما عاينا في ملفات كثيرة، لكون المرأة لم تستطع إثبات الجريمة، رغم خطورة الفعل الجرمي”، مشيرة إلى أن الضحية أيضا في حالات العنف الجسدي “تكون مطالبة بالإدلاء بشهادة طبية تحدد نسبة العجز، مع أن الوضع يطرح مشكلا إذا لم تكن الشّهادة المقدمة مُتوافقة مع فداحة أفعال العنف المرتكبة، وهو ما يجعل الجريمة لا تجد العقاب المناسب”.


وفي هذا الصدد اقترحت المحاميّة ذاتها أن تقوم الضّابطة القضائيّة بـ”المعاينة فورا بعد أن تأتي إليها امرأة ضحية عنف، لتثبت في الحين أن هناك اعتداء”.


 وتابعت “كما أن المراكز الصّحية بدورها يجبُ أن تُسهل الولوج إلى الإثبات”، مشددة على أن “النيابة العامة يتعين أن تجهز شباكا خاصا بهذه القضايا، يكون بمثابة تسهيل للمرأة المعنفة للحصول على حقوقها، لكي تتشجّع النساء أكثر على البوح بما جرى لهن، خصوصا أن بعض القضايا لا يستطعنَ الحديث فيها”.


وفي معرض حديثها دعت الفاعلة الحقوقيّة إلى “رفع عبء الإثبات عن المرأة من خلال مجانية الشواهد الطبية في قضايا العنف، وأيضا أن تجد الدّولة صيغا لتحمل بعض تكاليف المفوض القضائي بالنّسبة للنّساء في وضعية هشاشة اللاتي تعرّضن للعنف وليس بمقدورهن ماديا مواصلة مسار التقاضي.


 مؤكدةً أن “السلطات المختصة لابد أن تعيد النظر في صيغ الإثبات الحالية لكونها مجحفة، وأن يتم اعتماد الخبرة الجينيّة في قضايا الاغتصاب التي تفضي إلى الحمل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى