
يعود مجلس جماعة ورزازات خلال دورته الاستثنائية إلى مناقشة اتفاقية شراكة لتنظيم “قافلة السينما وكرنفال بورزازات”، وهي اتفاقية تحمل طابعًا ثقافيًا احتفاليًا يستند حسب الوثيقة الرسمية إلى إبراز الموروث السينمائي للمدينة، وربط الحدث بتنظيم كأس إفريقيا للأمم، ورغم أن المبادرة تبدو في ظاهرها دعامة لتنشيط الحياة الثقافية، فإن مسار إعداد هذه الاتفاقية خلف خلفه عددا من الملاحظات والتساؤلات التي فرضت نفسها بقوة قبل وصول المشروع إلى مرحلة المصادقة.
أول تلك التساؤلات يتعلق بالسوابق المالية والمشاريع المشابهة، فالمجلس الجماعي سبق أن صادق خلال السنوات الماضية على مشروع قريب في الشكل والمحتوى، يهدف بدوره إلى تنشيط المدينة من خلال فعاليات سينمائية وكرنفالية، غير أن السؤال الذي يعود اليوم بإلحاح هو: ما مال ذلك المشروع؟
لا تتوفر الساكنة، ولا حتى الفاعلون المحليون، على تقارير حول تنفيذه أو أثره، ولا توجد مؤشرات واضحة على أن المشروع السابق ترجم على الأرض. هذا الغياب في التتبع يجعل أي مشروع جديد من النوع نفسه موضع تساؤل مشروع، خصوصا وأن الأنشطة الثقافية التي تمول من المال العام تحتاج إلى تقييم، لا فقط إلى تصويت جديد.
التساؤل الثاني يرتبط بـ تغيير الجهة الحاملة للمشروع أيام قليلة قبل الدورة، فالاتفاقية الأصلية نسبت المشروع إلى جمعية، قبل أن يتبين في ما بعد أن تلك الجمعية لم تستشر إطلاقا، وأن اسمها أدرج في الوثيقة دون علمها ولا موافقتها، وهو ما دفعها إلى نفي علاقتها بالمشروع.
هذا المعطى اضطر الجماعة إلى تدارك الأمر بسرعة وإعادة صياغة الاتفاقية قبل أيام فقط من الدورة، مع تغيير الجهة الحاملة للمشروع.
ورغم أن التدارك تجنب ورطة قانونية، إلا أنه يطرح سؤالًا أعمق:
كيف تدرج مؤسسة كشريك رئيسي بمبلغ مالي داخل اتفاقية دون أن تستشار؟
وإذا حدث هذا في مشروع واحد، فهل هناك خلل منهجي في طريقة إعداد ملفات الشراكة داخل الجماعة؟
هذا النوع من التضارب بين الوثائق والمؤسسات يؤشر على نقص في التنسيق الإداري، ويمكن أن يؤدي إلى إرباك المساطر أو الطعن في مشروعية بعض الاتفاقيات مستقبلا إذا غابت الدقة في نسب المشاريع إلى أصحابها الفعليين.
النقطة الثالثة التي تثير نقاشا واسعا تتعلق بالدور المحوري للشركة المغربية للهندسة السياحية (SMIT). فالوثيقة تشير إلى أن الشركة ستساهم في تمويل المشروع عبر تخصيص مبلغ كبير يصل إلى 3 ملايين درهم، وهو رقم لافت بالنظر إلى حجم وطبيعة النشاط المقترح.
ورغم أن SMIT مؤسسة وطنية لها تدخلات واسعة في تهيئة المشاريع الكبرى، إلا أن السؤال الذي يتردد محليًا هو:
هل ستلتزم فعلاً بصرف هذا الاعتماد الضخم؟
هل قدمت الشركة التزاما مكتوبا أم أن مساهمتها مجرد نية مرتبطة بشروط قد تتغير؟
تاريخ تدبير المشاريع يظهر أن بعض المؤسسات الوطنية تعلن نيتها التمويل، لكن تنزيل ذلك على أرض الواقع يبقى رهينا بمساطر معقدة أو بتغير الأولويات، وبالتالي، يبقى التمويل من SMIT نقطة جوهرية تحتاج إلى توضيح رسمي قبل المصادقة، خصوصا وأن الاعتماد يمثل العمود الفقري لمالية الاتفاقية.
ومن زاوية أخرى، تبدو الهيكلة المالية في الاتفاقية غير متوازنة، فالجماعة ستساهم بـ 200 ألف درهم، المجلس الاقليمي للسياحة ب 50 ألف ردهم، وجمعيتان بـ 100 ألف درهم لكل واحدة، في حين تتحمل SMIT أغلب التكلفة، هذا يطرح سؤالًا منطقيًا:
هل نشاط كرنفالي بهذه الكلفة العالية سيحدث فعلا أثرا اقتصاديا متناسبا مع قيمته المالية؟
وهل أجري تقييم مسبق للجدوى قبل اقتراح المبلغ؟
كما أن الاتفاقية تنص على إمكانية صرف الفائض في تمويل أنشطة ثقافية وفنية أخرى، وهو بند يفتح الباب أمام التأويل ويحتاج ضبطا أكبر لتفادي استعمال الأموال في غير ما صودق عليه.
أمام كل هذه الأسئلة، تجد الجماعة نفسها مطالبة بتقديم توضيحات دقيقة: لماذا أدرج طرف دون علمه؟ هل يوجد التزام رسمي من SMIT يضمن تحويل 3 ملايين درهم؟ هل أجري تقييم للأثر الاقتصادي للكرنفال؟ وأخيرا: هل الأولويات الثقافية المقترحة تتماشى فعلا مع حاجيات المدينة في هذه الظرفية؟
الاتفاقية، بصيغتها الحالية، تظهر رغبة في تنشيط المدينة، لكنها في الوقت نفسه تكشف اختلالات في منهجية الإعداد وغيابا للتنسيق، وهي عوامل تستدعي نقاشا موسعا قبل المصادقة، حتى لا يتحول “كرنفال السينما” إلى مجرد نسخة مكررة من مشاريع سابقة لم تتضح نتائجها.





