
أثارت ميزانية جهة درعة-تافيلالت برسم سنة 2026 نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الجهوية، بعد أن كشفت الأرقام عن ارتفاعٍ لافتٍ في نفقات التسيير، مقابل ضعفٍ في المخصصات الاجتماعية والثقافية، وفق ما كشف عنه المستشار الجهوي عبد المولى أمكسو في قراءة تحليلية نشرها مؤخراً.
ارتفاع بـ40 في المائة في نفقات التسيير
وأوضح أمكسو أن ميزانية التسيير لسنة 2026 بلغت حوالي 99 مليون درهم، أي ما يمثل 12 في المائة من الميزانية الإجمالية للجهة، مسجلة ارتفاعاً يقارب 40 في المائة مقارنة بسنة 2025.
ويُعزى هذا الارتفاع، حسب المعطيات التي قدّمها المستشار، إلى برمجة فوائد القرض الذي بدأ المجلس في تسديده هذه السنة، والممنوح من طرف صندوق التجهيز الجماعي (FEC) لتمويل برنامج التنمية الجهوي (PDR).
غير أن أمكسو أشار إلى أن “جزءاً كبيراً من هذا القرض وُجّه فعلياً لتمويل مشاريع تابعة لبرنامج تقليص الفوارق المجالية، رغم أنها غير مبرمجة ضمن الـPDR”، معتبراً أن هذا الوضع “يطرح تساؤلات حول انسجام التمويل مع البرمجة والتزامات المجلس”.
الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع… ميزانية ضخمة وضعف في الشفافية
وفي قراءته لمكونات الميزانية، توقف المستشار عند وضعية الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع، التي تستحوذ على 16 مليون درهم من ميزانية التسيير، أي حوالي 16 في المائة من مجموعها، رغم أن عدد موظفيها لا يتجاوز 45 موظفاً فقط.
وأوضح أن أغلب هذه الاعتمادات تُوجَّه نحو الأجور والتعويضات، في حين لا يُعرض بيان تنفيذ ميزانية التسيير الخاصة بالوكالة على أنظار المجلس، “وهو ما يُضعف آليات المراقبة والمحاسبة”.
وأضاف أمكسو أن ميزانية الوكالة الجهوية بدرعة-تافيلالت تُعد من بين الأكبر على الصعيد الوطني، ما يستدعي، حسب قوله، “مراجعة في أسلوب التسيير وترسيخ مبادئ الشفافية في التدبير المالي”.
الثقافة والشأن الاجتماعي خارج الأولويات
وفي الشق الاجتماعي، أبرز المستشار أن الغلاف المالي المخصص للشؤون الاجتماعية لا يتجاوز 4.8 ملايين درهم، أي أقل من 5 في المائة من ميزانية التسيير، واصفاً ذلك بـ“الهامش الضعيف الذي لا يعكس حاجيات الجهة الحقيقية في مجالات الرعاية والتنمية البشرية”.
أما في الجانب الثقافي، فقد خصص المجلس 2 مليون درهم فقط لدعم الجمعيات الثقافية، وهو مبلغ اعتبره أمكسو “ضعيفاً جداً، خصوصاً وأن الثقافة تُعد من الاختصاصات الذاتية للجهات”.
وأشار إلى أن “نفس الجمعيات تقريباً تستفيد سنوياً من الدعم دون المرور عبر نداءات مشاريع مفتوحة”، ما يُضعف حسب قوله “مبدأ تكافؤ الفرص ويطرح علامات استفهام حول معايير توزيع الدعم العمومي”.
كما لفت إلى إدراج اعتمادات مالية لفائدة جمعيات الجالية المغربية بالخارج، تناهز 200 مليون سنتيم، يتم تخصيصها دون إعلان مفتوح أو مباراة، “وهو ما يُكرّس اختلالات في الحكامة الجهوية”.
دعوة إلى مراجعة منهجية إعداد الميزانية
وفي ختام تحليله، اعتبر عبد المولى أمكسو أن ميزانية التسيير لسنة 2026 تُظهر خللاً واضحاً في ترتيب الأولويات، إذ تستحوذ القروض والوكالة الجهوية على النصيب الأكبر من الموارد، بينما القطاعات الاجتماعية والثقافية تبقى في موقعٍ ثانوي.
وأكد أن المرحلة تقتضي “مراجعة شاملة لمنهجية إعداد الميزانية الجهوية، وربطها أكثر بحاجيات الساكنة المحلية وبمبادئ الشفافية والحكامة الجيدة التي يفترض أن تؤطر عمل الجهات”.